من رضا الغُسرة إلى أحمد الهدي… ملاحمُ بأسٍ وسيلُ بطولاتٍ خالدة
قناة البحرين_صوت الشعب
في يمِّ أيقونة الفداء رضا الغُسرة، يُبحرُ الشّهيدُ الحيُّ أحمد الهدي، مُغترفًا من بطولاته، من بأسه وشجاعته منقطعةِ النّظير… وعلى خُطى القائد يسير المُجاهد البطل. حين امتطى الغسرة جواد النّضال، كان لا بدّ يعلم أن سوح الوغى تتزاحم فيها الأخطار، ولم يبالِ، “أَوَقع على الموت أم وقع الموت عليه”، أدرك المعارض النّاشط منذ لحظات الاعتقال الأولى من دوار اللؤلؤة، متّهَمًا بتأسيس تنظيم 14 فبراير، أنّ الوقوف بوجه الظّالم يستلزم الجرأة والعزم، فكان الصّلب العنيد بوجه السّجان الحاقد اللّئيم وادّعاءاته الكاذبة، مستخفًّا به، بسلاحه الفتّاك ولسانه السّليط الشتّام. وبكلّ ثقة، رفض أبيّ الضّيم أن يخضع لأحكام أمن النّظام الخليفي الجائرة، ليبدأ رحلة محاولات الهروب المتعدّدة، في 8 مايو 2012، من سجن “الحوض الجافّ” حيث أوقف للمرة الأولى، وهو في الرابعة والعشرين من عمره. نجح رضا بالهرب، إلا أنّ قوات النظام عادت وألقت القبض عليه بعد عامٍ كامل، في 24 مايو 2013. لم يستسلم عاشق الحريّة، إذ أعاد الكرّة مع زميله حسين البنّاء، في 4 أغسطس 2013، من سجن جو المركزي سيّء السّمعة هذه المرة، حيث تمكّن رضا من تهريب زميله، أما هو فقُبض عليه أثناء محاولة تسلّق السّور. أعادَ الغسرة والبنّاء الكَرّة، في 21 أبريل 2014، ورغم الإجراءات الأمنيّة المشدّدة، تمكّنا من الهروب عبر فتحة تكييفٍ هذه المرّة، ومنها إلى النافذة بعد أن نشر قضبانها الحديدية، إلا أن الهروب لم يدم لأكثر من يومين، إذ تمّ القبض عليهما من منزلٍ كانا اختبآ فيه بمنطقة سار، لترتفع أحكام رضا إلى أكثر من قرن!! ومن الزنزانة الإنفرادية، أطلق الغسرة يوم 24 أكتوبر 2014 صرخة احتجاجٍ مضربًا عن الطعام، ليجبر السلطات وفق اتفاقٍ على نقله لعنبر عام لإحياء مراسم عاشوراء، وإعادته بعدها إلى الإنفراديّ، فهل انتهت هنا حكاية رضا؟ وكيف لمثله أن يُذعن ويستكين!؟ في مطلع العام 2017، أعلنت وزارة الداخلية فرار 10 أشخاص من السّجن. لا بدّ أن أحدهم الغسرة، فروحه الثورية تأبى الإنكسار، وهو الذي يفتخر، في صوتيةٍ مطوّلةٍ له، بمواقف المعتقلين البطولية رغم تكالب الأعداء قائلًا: “حقوقنا لم تكن عطية من أحد، وإنما انتزعناها بصمودٍ، وثباتٍ، وتحدٍّ، وتحمّلٍ، وصبر، ومقاومة… وأبينا إلا أن نرفع راية الحقّ مهما كانت الأخطار… واستماتوا لمنع رفع الأذان ونداء أشهد أنّ عليًّا وليّ الله، لكنّ صوت الحقّ كان يشقّ عنان السماء”. إثر عملية “سيوف الثأر”، بقيادة الشابّ العشرينيّ الشّجاع الغيور، في الأول من يناير، ساد البحرين حالة إرباكٍ هائلة، وهامت القوات الأمنية على وجهها بحثًا عن الأحرار، لكنّها فشلت بعد أسبوعٍ من المحاولة. وأقبل 9 فبراير 2017 ليزفّ نبأ المبحِرين نحو الشهادة، أعلنت الداخلية البحرينية أنّها لاحقت أشخاصًا كانوا ينوون امتطاء البحر، والرحيل عن تلك البلاد الظّالم حكامها، فأهدت ذاك المضحّي في سبيل تحرير المعتقلين واثنين معه، برصاصاتها وسام الشّهادة الذي لطالما حلُموا به، فاختاروه بديلًا عن الإستكانة والهوان. لم يذهب رضا بعيدًا، عادت روحه تسكن حكايا الثابتين، عادت مع أحمد الهدي، مع بطولاته مقدِمًا لفكّ قيد إخوانه المعتقلين، مع إصراره وثباته بعد اعتقاله قُبيل الشروع بعملية التحرير المباركة في 10 أغسطس 2022، ومع كلامه وسكناته بُعيد الحكم عليه بالمؤبّد في 31 يناير 2023: “ألسنا على الحقّ، إذًا لا نبالي”، نعم لا يبالي، فلا القضبان تسجنه وأمثاله، ولا السجّان يرعبهم، ولا سيّد السجّان يرهبهم. ففي تلك الزنازين قلوبهم منيرةٌ ساطعة، وبثباتهم وإرادتهم عروش الهوان متضعضعةٌ متهاوية.على خُطى رضا يمضي أحمد، يستضيء بنور دربه وعلى نهجه يسير، بعزمٍ لا يلين، يحطّم بقبضته الواثقة إرادة السّجّان، ويهزأ بقراراته الجائرة، مسطّرًا ملاحم البطولة والتّضحية والفداء على طريق تحرير معتقلي الرأي المحكومين ظلمًا وجورًا، هادرًا بالحقّ من أعماق روحه بكلّ إصرارٍ وعزيمة: “قرارُ نُصرة السُّجناء متَّخذٌ ببصيرةٍ ويقينٍ تامٍّ بأحقّيّته وصحّته”.
– لمتابعة جميع حساباتِنا:
