قُتِلوا و انشّقّ الْقَمَرْ
📺 قناة البحرين – صوت الشعب
في ليلةٍ ظلماءَ غابَ فيها ضوءُ القمر، وعلى إيقاعِ الفجيعة، اعتلى نشيجُ الشعبِ من خلفِ الجدرانِ الصمّاء، مُتنبئًا بفاجعةٍ اقترب فجرُها الأليم، فالساعةُ الآن الفقد، ورصاصاتُ الخلودِ ذاتُ الأربعِ والعشرينَ دقيقةٍ كانت تتأهبُ للّحظة التي ستُقذفُ في قلبِ الشعبِ بأكملِه لتُثكل بهِ الوطن. كل القلوبِ وجلة، وتعيشُ ليلَها بترقبٍ مُخيفٍ جدًا، لا استقرارَ فيه لا للصغيرِ ولا للكبير، إلّاهم ذوي النفوسِ المطمئنة، ما كان يشوبُ قلوبَهم سوى الوجلِ من لحظةِ لقاءِ المحبوب، وكلُّ واحدٍ منهم كان يسعى لترتيبِ هندامِ ذاتِهِ بما يَليق بمقامِ من تلهّفت للقائِهِ الأرواح.. مضى ليلُهم بين راكعٍ وساجد، فكان لِمُناجاتِهِم وصلاتِهم دوّيٌّ كدوّيِّ النحل، انقطعوا بكمالِ الانقطاعِ إلى الله، ما كانَ لهم وجودٌ في هذا العالم الفاني إلا بالأجساد، أمّا الروحُ فقد ارتقَت من فرطِ شوقِها للّقاءِ قبل أن تثقِبَ الرصاصاتُ صدرَ الحق. و هناك كانت أرواحٌ يقتات الليلُ على أوجاعِها، ويرتعِشُ الفؤادُ لنشيجِها، ويقشعرُّ البدنُ لعزيفِ المنيةِ في قعرِ دورها، لا أعلمُ من فيهم بحالٍ أسوءَ من الآخر، الأبُ الذي يبكي انكسارَ ظهرِهِ بالفاجعة؟! أم الأمُّ التي يمرّ أمامَ ناظرَيها شريطٌ طويلٌ مليءٌ بالذكرياتِ من اللحظةِ التي أوجَدَ اللهُ هذه النطفةَ الطاهرة برحمِ الكرامةِ حتى اشتدادِ أغصانِهم..؟! أم الأختُ التي تنتظرُ ردَّ أخيها الحاني كلما صرخَت “أخ”، فلا تسمعُ إلا صدى الناعي ينعى الراحلَ العزيز؟! آهٍ وألف آه… من هذا اليومِ الصاخبِ بِساعاتٍ من عجافٍ ووفرة، وآهٍ لتلك الرصاصاتٍ التي تركت لنا ندبة في القلوب. فبالأمس حيثُ ثار الشعبُ بجموعٍ غاضبةٍ، مُلئِت الطرقاتُ بصرخاتِ القصاص، كانت تسيرُ معنا بِخطًى ثابتة، وعلى وتيرةِ الشموخِ تمضي بخطواتٍ يتجلى فيها عمقُ التعبِ الذي أصابَها من وقعِ الفواجعِ والمصائبِ التي تعيشُها، أم الشهيد سامي مشيمع التي اكتسَت ملامِحُها بثيمةِ الصبرِ والحزنِ والصلابة معاً، رفعَت رايةً تحملُ صورةَ شهيدِها، وتصفنُ بينَ الحينِ والآخرِ في هتافاتِ الثائرين… ما كنت أسمعُ حينَها إلا صدى صوتَها وهي تُرددُ الكلمةَ الخالدة: “ما رأيتُ إلا جميلا” ! فكانوا هم الجميلَ الذي كرّمنا الله به، هذه الثكلى هي الوجهُ والجرحُ والألمُ لكلِّ أمهاتِ الشهداء، وما نحن عليهِ اليومَ إنّما ببركةِ هذه الدماءِ وبركةِ وجود فلذاتِ أكبادِ هذه اللبؤات في تُربِ أوال، فرحِمَ الله الشهداءَ الأبرار، وجبرَ بكسرِ قلوبِ الفاقدين وجلِّ الشعب، وصبراً يا آل الكرامةِ والعطاءِ فموعدُكم الصبحُ للقصاصِ وأخذِ الثأرِ من القتلةِ الطغاةِ المجرمين، من يرونَ الفرجَ والنصرَ بعيدًا، ونراهُ قريبا.