.. إنّـها واللّٰه اللّيلة المعهُـودة!
قناة البحرين – صوت الشعب
٢٣ مايو/أيّار يوم الفداء و رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه
الشهيد الحي والفدائي محمد الساري يقول:
الآن اكتفيت، سأمضي للسماء وكفى، وليس وثاقي إلى هذه الأرض يا صغيرتي، بل إلى السماء…
هو الذي عاش حياتهُ جُلّها شهيدًا حي، هذا الشاب جميل المُحيّا، عالي الهمة، هو الذي أكلت الرصاصات وطلقات الشوزن والقنابل الصوتية من جسده في ثورات أوال وما فلّ عزمه، وما ملّ ولا كلّ ولا حتى اكتفى، كلما أُصيب أو أُعتقل يبكي بحرقة لأنهُ لم يستشهد، هذا الشاب الذي لا أمِلُّ من رؤية عناقهُ لآية الله قاسم بعد سلامته من إصابته التي كادت تقتله، حينما اخترقت رصاصة صدره عند ميدان الشهداء في الثامن عشر من فبراير ٢٠١١.
كان نحيبهُ في حضن سماحة القائد ليس ألمًا من إصابته، بل لأنه عاد للحياة وكان مبتغاه الشهادة!
ظنَّ بأنهُ التحق بالركب، ولكن خذلهُ الموت وأعادهُ الله إلى الحياة، فبشّرهُ القائد بأغلى بشارة وهي الشهادة، مدّخرةً له ليوم أعظم من ذاك اليوم، وأطلق عليه اسم الشهيد الحي، فكان يعيش الشهادة بحذافيرها، جسدهُ في الأرض ولكن روحهُ في عليين.
زوجتهُ فاطمة السميع تقول بأنَّ لا شيء في حياتها مع زوجها الشهيد محمد الساري اعتيادي، منذُ معرفتها بهِ قبل انعقاد القلب بالقلب والتكليف بالتكليف كانت لحظاتٌ بعيدة عن الاعتياد، حتى بعد عقد القرآن، وعندما تقرأ وتسمع تفاصيل حياة وفكر الشهيد فعلًا تجده مختلفًا، كان يعيش كالشهيد حتى في أقواله، قال بأنَّه سيُرزق بأبرار وعلي فقط وهذا ما حصل، وقال عندما ننتصر سيبني بيتًا لزوجته في المحرق لعشقها لهناك، وفعلًا انتصر بالشهادة النهائية وأصبح بيته في المحرق ولزوجته مزارًا دائمًا، كان يُريد الاطمئنان على عائلته الصغيرة ويحفظهم من الذل والضياع بعده، فبنى بيتًا عجن طينه من روحه، وأشعل مدافئ حبه وحنانه في كل التفاصيل، وترك رائحتهُ وطيفه في كل زواياه، ولم يرحل إلا بعد إكماله!!
لا شيء عادي فيه الشهيد الساري، حتى بطولتهُ الفدائية في ساحة الفداء وبسالته وشجاعته استثنائية، كان سقوطه صاعدًا إلى السماء أشبه بفيلم، غطتهُ سحب غازات مسيل الدموع ودخان الطلقات التي كانت تعتلي في ساحة الفداء، التي ما دخلها كي يغادرها وفي جسده روح، وفي رئتيه نفس، بل عاهد الله والقائد بأن لا يغادرها إلا ملطخًا بالدم، فهذا اليوم المعهود الذي وعدهُ بهِ آية الله قاسم، وهذه هي اللحظة الموعودة، ساعة الشهادة، بوسط الدخان ودرعه الذي يتصدى بهِ الطلقات كان يطلب منهم التراجع، وهم كانوا يتقدمون ويزداد الطلق على الشهيد، وما تنازل ولا أدبر، ولا هرب منهم، بل وقف شامخًا كالجبل راسخ لا يتزلزل.
عينًا على الباب الأخير، وعينًا على الشهادة، فغدرت بهِ إحدى الرصاصات الجبانة، و تهاوى محمد شيئًا فشيئًا على الأرض، كالفارس الذي ترجل من على صهوة جواده، وهدأ أنينه، ونال السعادة، وعقد قرانهُ على الشهادة زوجته الثانية المنافسة للأولى، ولم تهل ترابَ العشق عليه ابنةُ السميع، وما رأت جمال مُحيّاه القمري للمرة الأخيرة، ولم ترتل عليه آيات الوداع، وحتى قبلة على جبينه فخرًا به لم تطبع، رحل بصمت صاخب، كما كانت حياته صاخبة.
هؤلاء هم كوكبة الشهداء الفدائيين السعداء، علمونا كيف يكون العشق، وأبجديات الفداء، وزرعوا بداخلنا إرادة الثبات والإقبال على الشهادة في سبيل الحق لا الإدبار، فسلامٌ على أنصار الحسين، الذي لم يجد أصحابًا أوفياء كأصحابه.
🔷 لمتابعة حساباتنا👇🏻